الخميس، 9 أبريل 2015

أساسيات في شخصية المرأه 



المرأة أكثر من نصف المجتمع وتشكل إحدى قواه الفاعلة وتقوم بدور مهم في صياغة حركته، ولهذا لا سبيل إلى إصلاح المجتمع إلا بإصلاح المرأة أولا.

ولذلك سأبين في هذه الدراسة بعض الأسس التي تُسهم في بناء شخصية المرأة المسلمة وإعادة صياغة شخصيتها عمليا وفكريا، وتوجيهها وفق تربية إيمانية متكاملة منبثقة من القرآن الكريم، لكي تسهم بدورها في إصلاح المجتمع وإخراج الأمة من مرحلة القصعة والغثائية، ولن يتأتى لها ذلك إلا بإعادة بناء شخصيتها وفق التصور الإسلامي ومنهجه الرباني من خلال التركيز على الأسس التاليه اساسيات في شخصية المرأه

ترسيخ فعل الإيمان في النفس

إن تنمية العلاقة بين المرأة وخالقها وترسيخ الإيمان به في نفسها له أثر بالغ على تشكيل شخصية مطمئنة لا تقع فريسة لأي صراعات نفسية، وتواجه كل ما يعترضها من صعوبات وتحديات، لأن الإيمان مصدر كل سلوك سوي ينبع من النفس الإنسانية، «وبه يمكن تغيير الإنسان من داخله، وإصلاحه من باطنه، فالإنسان لا يقاد كما تقاد الأنعام، ولا يصنع كما تصنع الآلات من حديد أو نحاس أو معدن، إنما يحرك من عقله وقلبه، يُقنعُ فيقتنع، ويُهدَى فيهتدي، ويُرغب ويُرهب فيَرغب ويَرهب. والإيمان هو الذي يحرك الإنسان ويوجهه ويولد فيه طاقات هائلة لم تكن لتظهر بدونه، بل هو ينشئه خلقا جديدا بروح جديدة، وعقل جديد وعزم جديد وفلسفة جديدة» (2).

والإيمان كذلك لا يعترف بالمراحل والأعمار التي وضعها علماء النفس والتربية واشترطوها لنجاح المجهود التربوي.

إنهم يقررون أن هناك سِنًّا معينة هي سن القبول لتكوين العادات، واكتساب الصفات وتهذيب الطباع والأخلاق، تلك هي سن الطفولة، فإذا كبر المرء أو المرأة على صفات خاصة فهيهات أن يحدث فيها تغيير يذكر، فمن شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه.

ولكن الإيمان هو الشيء الوحيد الذي تخطى قواعد التربويين والنفسيين، فالإيمان هو العنصر الوحيد الذي يغير النفوس تغييرا تاما وينشئها خلقا جديدا، ولا يقف في سبيل ذلك فتوة الشباب ولا كهولة الكهول، ولا هرم الشيوخ (3).

ولنأخذ على هذا أمثلة حية لأشخاص عاشوا في عهدين: عهد الكفر وعهد الإيمان لنرى الفارق.

وحسبنا مثلا على هذا التحول الخطير رجل وامرأة عرف أمرهما في الجاهلية، وعرف أمرهما في الإسلام، الرجل هو عمر الذي رووا أنه بلغ في جاهليته من انحراف العقل أن عبَد إلهًا من الحلوى ثم جاع يوما فأكله، ومن انحراف العاطفة أن وأد ابنة له صغيرة كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحفر لها مكانها في التراب.. عمر هذا ينتقل من الجاهلية إلى الإسلام، فيتحرر عقله حتى يقطع شجرة الرضوان خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسوها، ويقف أمام الحجر الأسود فيقول: أيها الحجر إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

وعمر هذا يبلغ من سمو عاطفته ورقة قلبه وخشيته لله ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم، بل للإنسان والحيوان حتى قال: «لو عثرت بغلة بشط الفرات لرأيتني مسؤولا عنها أمام الله، لمَ لمْ أسو لها الطريق؟».. هذا هو الرجل.

أما المرأة فهي الخنساء، المرأة التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها صخرًا فملأت الآفاق عليه بكاءً وعويلًا، وشعرًا حزينًا، ترك الزمان لنا منه ديوانًا كان الأول من نوعه في شعر المراثي والدموع.

وغير ذلك مما قالته في رثاء أخيها صخر، كان هذا في جاهليتها فلما أسلمت كان لها شأن آخر، وكانت امرأة أخرى، فقد شهدت معركة القادسية ومعها بنوها الأربعة فقدمتهم إلى الميدان (أي إلى الموت) راضية مطمئنة، بل دافعة محرضة على القتال والثبات في أول الليل قبيل المعركة، فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب لا تلين وانقضوا كالصاعقة على أعداء الله حتى استشهدوا واحدا بعد واحد جميعهم، فلما بلغها خبرهم لم تلطم خدا ولم تشق جيبا ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين وصبر المؤمنين وقالت: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته».

ما الذي غير عمر القديم وصنع عمر الجديد؟

وما الذي غير خنساء النواح والبكاء إلى خنساء التضحية والفداء؟

إنه صانع المعجزات.. إنه الإيمان، إنه المفتاح الفذ لأقفال الحياة الكثيرة (4).

صفوة القول: إن تفعيل الإيمان في حياة المرأة قضية أساسية تخرج الدين من كونه مسألة شخصية إلى اعتباره منهجا متكاملا يتغلغل في نسيج الممارسات الإنسانية المتعددة.

«ومن أهم الوسائل لترسيخ الإيمان في النفس تنمية الخلق الحسن فيها، وذلك من خلال التمكن من مدلولات الأخلاق وآثارها في النفس والمجتمع، مباشرة الأعمال الصالحة المساعدة على تنمية الأخلاق وتقويمها، مجاهدة النفس وتدريبها على الخلق الحسن، القدوة الحسنة، فهذه كلها وسائل مساعدة لبلوغ الإيمان أغوار النفس والوجدان وإدراك اليقين. ولاستعادة إنسانية المرأة واستجابتها لعوامل الإحياء، يقول تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24)» (5).

التحصن بالعلم والمعرفة

وقد وعى الأستاذ علال الفاسي هذه القضية فكان في طليعة من دعا إلى تحرير المرأة من رواسب الجهل ومخلفات الاستعمار، ودعا إلى مساواتها بالرجل في التربية والتعليم والتثقيف في كثير من كتبه ومقالاته ومحاضراته وخطبه، قال رحمه الله: «يجب أن تتمتع المرأة بما يتمتع به الرجل من حقوق، وأن تقوم بما يقوم به الرجل من واجبات، ولكي تستطيع ذلك يجب أن يفسح لها المجال، وتعد للقدرة على أداء ما يطلب منها» (6).

فالتحصن بالعلم والمعرفة والتكوين الإسلامي هو الذي يضع لها الأرضية الصلبة التي تستقر عليها شخصيتها على مستوى فكرها وسلوكها وتوجهاتها، ومن شأن التكوين الديني أيضا أن يكسبها قدرا من التديـن تتحصن به وتتميز به في انخراطـها الاجتماعي العام وبدونه تكون كالريشة في مهب الريح.

التشبع بالقيم الإسلامية

هذا الأساس مرتبط بالذي قبله، بل هو ثمرته فلا يستقر في النفس شيء من فقه الإسلام وفهم مضامينه وأحكامه العامة ما لم ينبثق منه قدر ضروري من مكارم الإسلام وفضائله وقيمه.

إن المرأة الغربية، بل الإنسان الغربي عامة قد بلغ في الرقي الحضاري منزلة لا تضاهى ولكننا نراه- مع ذلك- قد يشقى بها وينتكس بسببها، وإنما ذلك لأنها حضارة مادية محضة لا تنسجم مع كل مقومات الحقيقة الآدمية الإنسانية، والغرب بحضارته ورقيه وتمدنه وبلوغه في ذلك الشأو الكبير والمرتقى السامق لا يستطيع أن يخفي أزمته الخانقة التي يعاني منها ويعيشها يوميا (أزمة القيم وأزمة الفراغ الروحي، والخواء القلبي والنفسي).

استرداد إنسانية المرأة

تشير الباحثة والشاعرة المغربية سعاد الناصر (أم سلمى) إلى أنه رغم كثرة الدعوات المستمرة لتحرير المرأة في عصرنا الحديث، ومحاولة إخراجها من تخلفها ومعاناتها، وما حققته من نجاح في مختلف المجالات، فإن واقع المرأة يكشف عن وضعية ماسخة لها وعن عدم امتلاك ذاتها وانغماسها في عبوديات مختلفة من أبرز مظاهرها: اهتماماتها الهامشية التي لا ترقى إلى مستوى إنسانيتها ورسالتها في الحياة، ومن أبرز مظاهرها أيضا عبوديتها لجسدها بالانكباب على تزيينه وتقديمه في سوق العرض والطلب بشكل مهين للمرأة المعتزة بأنوثتها والمدركة لآفاق تحررها (7).

وتستطرد قائلة «ويؤسفني أن أعلن بأن المرأة رغم تعليمها وتقلدها مناصب عدة، إلا أنها مازالت ترسف إما في مظاهر التخلف والجهل والخرافة، وتعيش في ظل مفاهيم خاطئة ومبتورة لبعض النصوص الشرعية، من مثل {وقرن في بيوتكن} و«ناقصات عقل ودين»، وإما تحولت إلى عبوديات أخرى تسربت إليها من الفكر الغربي فأصبحت ترسف في أغلال التغريب والاستلاب والاستغلال، فتحررت من تراكمات المفاهيم الخاطئة لتنتقل إلى مفاهيم لا تقل خطورة عنها، هذا بالنسبة للمرأة المتعلمة، أما المرأة الأمية فإن واقعها أمرّ، ولذلك يمكن أن نضيف إلى ما ذكرناه من عبوديات، عبودية الأمية والفقر والتهميش وغيرها التي تفوق فيه صاحبتها المتعلمة.

وبصفة عامة فإن واقع المرأة ينبئ عن خلل ناتج عن غياب فعل التحرر منه، ولن نستطيع ضبط هذا الواقع إلا إذا حررت عقلها واستقام فكرها. لأن تحرر العقل من الخرافة والجمود والتقليد والتبعية يدفعها إلى التأمل والتدبر، ونبذ أشكال العبوديات، وعدم الانسياق وراءها دون وعي أو بصيرة، كما أن استقامة الفكر واتزانه يدفعها إلى الوعي بحقوقها وواجباتها والأخذ بأحكام الشريعة وتطبيقها في حياتها باعتبارها كُلًّا واحدا لا يتجزأ، فتسترد إنسانيتها المتدحرجة بين الأقدام، وتمارس الحرية بمفهومها الحقيقي والتي تمدها بقوة فاعلة ومحركة لبناء شخصية متوازنة مع ذاتها الفردية والجماعية تمتلك القدرة على تغيير الواقع، وتحسين وضعيتها المادية والاجتماعية» (8).

ونستطيع أن نقول: إنه كلما فهمت المرأة مدى عبوديتها لله وسما مفهوم التوحيد في نفسها، كلما حققت في هذه النفس مفهومها التحرري الصحيح الذي جاءت به الرسالة المحمدية الخاتمة، إذ نجد الإسلام برسالته السامية ينبذ كل أشكال العبوديات، ويعتبر المرأة إنسانا أولًا قبل أن يعتبرها امرأة أو أنثى لها جميع حقوق الإنسان، اللهم إلا في بعض الخصوصيات الدقيقة الخاصة بالمرأة، فالمرأة إنسان في المجتمع وامرأة فقط في بيتها ومع زوجها، بالإضافة إلى هذا فقد كرمها الإسلام واعتنى بها وبتربيتها منذ الطفولة، ففي الحديث «من كن له ثلاث بنات؛ فصبر على لأوائهن، وضرائهن، وسرائهن، أدخله الله الجنة برحمته إياهن. فقال رجل: واثنتان يا رسول الله؟ قال: واثنتان. قال رجل: يا رسول الله وواحدة؟ قال: وواحدة».

وكرمها وهي زوجة «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (الترمذي).

وكرمها أمًّا حينما أمر رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  بحسن صحبتها لمن جاء يسأله: من أحق الناس بصحبتي؟ فقال: أمك (ثلاث مرات) ثم ذكر الأب مرة واحدة.

تقدير المسؤولية حق قدرها

إن أعدادا هائلة من النساء تدخل في إطار الطاقات الخاملة والعاجزة عن العطاء المنتج، نخرت الغثائية والسلبية والاتباعية فاعليتها فأصبحت أرقاما منسية لا تخرج عن كونها تكثيرا لسواد الصالحين وغيابـا أو تغييبـا لطاقات المصلحين.

من هنا كانت الدعوة إلى إشعار المرأة بخطورة رسالتها ودورها واستشعار مسؤوليتها تجاه نفسها ومجتمعها وأمتها واتجاه الإنسانية جمعاء، ودعوتها إلى الكف عن تمييع مهمتها وحصرها في اهتمامات هامشية تافهة.

وأول مجال ينبغي الوقوف عنده والتأكيد على خطورته وأهميته في بناء شخصية الأمة بأكملها مجال الأمومة، لأن الأم هي المنشئة الحقيقية للأجيال، والأب يشارك فيما بعد وقد يتولى الأمر وحده- أو بصفة رئيسية- بعد ذلك، ولكن الانطباعات الأولى في نفس الطفل، الانطباعات التي تندس في حسه وهو وليد وتكون شخصيته فيما بعد يأخذها من أمه أكثر بحكم التصاقه بها التصاقا حسيًّا ومعنويًّا حتى يملك على الأقل أن يسير ويوسع دائرة المجتمع الذي يعيش فيه.

 إن المرأة بمنطق الإحصاء والتعداد نصف المجتمع، ولكنها بحكم تأثيرها في زوجها وأولادها ومحيطها أكثر من النصف، ولهذا قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم مدرسة إذا أعددتها 


أعددت شعبا طيب الأعراق